وصلتك - تسهل مهمتكم

العملات الرقمية بين التهديد الاقتصادي، التحول التكنولوجي، والانشغال الأمني

مقال بقلم أ. قارة عمر عبد الرحمان

في عالم يشهد تحولًا رقميًا سريعًا، ظهرت العملات الرقمية كظاهرة مالية وتقنية قلبت موازين الاقتصاد التقليدي. وعلى الرغم من أن هذه العملات مثل البيتكوين والإيثيريوم أصبحت جزءًا من المشهد المالي العالمي، إلا أن العديد من الدول، ومنها الجزائر، اختارت تجريم التعامل بها.

فهل هذا القرار نابع من مجرد تحفظ قانوني؟ أم أن المسألة أعمق وتمسّ جوهر السيادة الاقتصادية والأمن القومي؟

 ما هي العملات الرقمية؟

العملات الرقمية أو المشفّرة هي أصول رقمية لا مركزية تعتمد على تقنية البلوكشين لضمان الشفافية والتشفير. وهي لا تحتاج إلى وسيط مالي (كالبنك)، بل يتم تداولها بين الأفراد مباشرة عبر منصات رقمية.

 لماذا تجرّم بعض الدول التعامل بها؟

الأسباب متعدد  ومترابطة:

1. تهديد السيادة النقدية

العملات الرقمية تعمل خارج نطاق البنوك المركزية، وهو ما يُفقد الدولة قدرتها على التحكم في المعروض النقدي وسعر الفائدة.

مع ازدياد الاعتماد عليها، تتراجع الثقة في العملة الوطنية، مما يؤدي إلى تآكل السيادة الاقتصادية.

2. خطر على احتياطي العملة الصعبة

الأفراد قد يفضلون تحويل مدخراتهم إلى عملات رقمية مرتبطة بالدولار، ما يؤدي إلى سحب العملة الصعبة من السوق الرسمية.

هذا يهدد ميزان المدفوعات ويزيد من الضغط على احتياطي الصرف.

3. التحايل الضريبي وتمويل الأنشطة المشبوهة

العملات الرقمية تُستخدم أحيانًا في أنشطة مثل غسيل الأموال، تمويل الإرهاب، تجارة المخدرات، بسبب صعوبة تتبعها.

عدم القدرة على الرقابة الضريبية يُفقد الدولة جزءًا مهمًا من إيراداتها.

4. الانفلات التكنولوجي وضعف البنية القانونية

في كثير من الدول، لا توجد أطر قانونية واضحة لتنظيم هذه العملات.

غياب الضمانات يجعل المستثمرين عرضة للاحتيال، كما يفتح الباب لانتشار الاحتيال الإلكتروني.

5. خلفيات جيوسياسية لا يمكن تجاهلها

الولايات المتحدة والصين تخوضان سباق هيمنة تكنولوجية حول مستقبل العملات الرقمية.

الصين، رغم حظرها العملات المشفّرة، طوّرت عملتها الرقمية الرسمية (اليوان الرقمي)، كوسيلة لضرب هيمنة الدولار في التجارة الدولية.

من جهة أخرى، تخشى الدول الغربية من استخدام العملات الرقمية كأداة للتهرب من العقوبات (كما في حالة إيران، فنزويلا، وروسيا).

 ماذا عن بلدنا؟

ضعف النظام المصرفي وثقة المواطن به يجعله يبحث عن بدائل لحماية مدخراته، ما يجعل العملات الرقمية مغرية.

وجود سوق سوداء نشطة للعملة يجعل من العملات الرقمية قناة موازية خطيرة قد تُضعف فعالية سياسات الدولة.

الاقتصاد  لا يزال ريعيًا ويعتمد على موارد خارجية، مما يجعل أي تهديد لاحتياطي العملة الصعبة شديد التأثير.

 هل الحظر هو الحل الأمثل؟

اقول رأيي بتحفظ، مع احترام القرارات السيادية لبلدنا

 الحظر يُبطئ، لكنه لا يُوقف.

عوض التجريم الكامل، يمكن التفكير في إطار قانوني صارم ينظم العملات الرقمية، مع مراقبة مشددة للتداولات والمنصات.

يمكن استحداث عملة رقمية وطنية رسمية (الدينار الرقمي) تُعزز الشفافية والسيطرة.

الاستثمار في التربية المالية والتكوين التقني من شأنه أن يحصّن الشباب من مخاطر التداول العشوائي.

أخيرا

العملات الرقمية واقع لن يختفي. رفضها تمامًا كمن يرفض الإنترنات في بداية التسعينات.

لكن قبولها دون تحكّم، أشبه بمنح مفاتيح الخزينة الوطنية لتقنية خارجة عن سيطرتنا.

اذن ما المطلوب

الجواب يكمن في فهم شامل ومتعدد الأبعاد يجمع بين

التحليل الاقتصادي، المقاربة القانونية، الرؤية الجيوسياسية، والقدرة التقنية.

ولا يكون الا تحت اشراف اهل الاختصاص، و قيادة قادرة على مواكبة التغيرات المتسارعةِ

الاستاذ. قارة عمر عبد الرحمان

حرر يوم 29 جويلية 2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Layer 1
Scroll to Top