وصلتك - تسهل مهمتكم

سلوك المواطن الجزائري الرقمي: بين الحذر والتبني

لم يعد الفضاء الرقمي في الجزائر مجرد مساحة للترفيه أو التواصل الاجتماعي، بل أصبح جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية للمواطن. من الهاتف الذكي إلى الخدمات الإلكترونية، ومن الدفع الرقمي إلى المعاملات الإدارية عن بُعد، تغيّرت علاقة الجزائري بالتكنولوجيا بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة. ومع ذلك، فإن هذا التحول لم يكن سلسًا بالكامل؛ بل تشكّل ضمن معادلة دقيقة تجمع بين الرغبة في الاستفادة والحذر من المخاطر.

المواطن الجزائري اليوم ليس رافضًا للتكنولوجيا، لكنه متحفّظ. يستخدم التطبيقات، يتصفح المنصات، ويتعامل مع الخدمات الرقمية، لكنه يفعل ذلك دائمًا بحذر. هذا الحذر نابع من تجارب سابقة، ومن نقص الثقة في بعض الأنظمة، إضافة إلى غياب ثقافة رقمية متكاملة توضح الحقوق والواجبات داخل الفضاء الإلكتروني.

في المقابل، لا يمكن إنكار أن التبني الرقمي يتسارع، خاصة عند الضرورة. عندما تصبح الخدمة الرقمية أسهل من البديل التقليدي، يتكيف المواطن بسرعة. هذا ما ظهر في استخدام التطبيقات البنكية كبريدي موب، خدمات الحجز SOGRAL، التعليم عن بُعد، وحتى إدارة الأنشطة المهنية الصغيرة. المواطن لا يعارض الرقمنة من حيث المبدأ؛ بل ينتظر أن تكون واضحة، آمنة، وتخدم حاجته الفعلية.

التحدي الحقيقي لا يكمن في التكنولوجيا ذاتها، بل في تجربة الاستخدام. كلما كانت المنصة بسيطة، موثوقة، ومفهومة، زاد الإقبال عليها. وهنا تبرز أهمية الحلول الرقمية التي تراعي خصوصية المستخدم الجزائري، سواء من حيث اللغة، بساطة الواجهة، أو وضوح الإجراءات. أنظمة مثل منصات Waslatic (الخيرية، الأكاديمية، و waslatic ERP) مثال على هذا التوجه، حيث تعتمد على منطق التدرج في الاستخدام، وتستهدف المستخدم غير المتخصص قبل الخبير التقني.

اقرا ايضا الرقمنة في المؤسسات الصغيرة بالجزائر: فرصة حقيقية أم مجرد شعارات؟

من جهة أخرى، ما يزال الوعي بالأمن الرقمي محدودًا لدى قلة من المجتمع. كثيرون يتعاملون مع بياناتهم الشخصية دون إدراك كامل للمخاطر المحتملة، في حين يبالغ آخرون في التخوف إلى درجة تجنب أي خدمة رقمية جديدة. هذا التباين يخلق فجوة رقمية داخل المجتمع نفسه، بين من تبنّى التحول الرقمي كليًا، ومن لا يزال يراقبه من بعيد.

في هذا السياق، يصبح بناء الثقة هو المفتاح الحقيقي. الثقة لا تُفرض بالقوانين فقط، بل تُبنى عبر التجربة، الشفافية، دعم تقني فعّال، وتواصل واضح مع المستخدم. المواطن الجزائري مستعد للتبني، لكن بشرط أن يشعر بأن النظام الرقمي يعمل لصالحه، لا ضده.

في المحصلة، سلوك المواطن الجزائري الرقمي هو انعكاس لمرحلة انتقالية. مرحلة لا يرفض فيها الجديد، لكنه لا يمنحه ثقته كاملة إلا بعد اختبار. ومع تطور الخدمات الرقمية، وتحسّن التجارب، يمكن القول إن هذا الحذر سيتحوّل تدريجيًا إلى تبنٍ واعٍ، يضع المواطن في قلب التحول الرقمي بدل أن يكون مجرد متلقٍ له.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Layer 1
Scroll to Top